عاد اليها ..
أوقدت المدفأۃ فسری الدّفء في الغرفۃ .
جلست الجدّۃ “صابرۃ“ حذو حفیدها و أخذت تراجع له دروسه: تارۃ تساعده علی حفظ النّشید الوطنيّ التونسيّ و اخری تذكّره ما نسي منه.
“بینما مسكت “علیاء“ القلم وشرعت تخطّ حروف اسمها باللّغۃ العربیۃ فبالرغم من صغر سنّها الّا انّها جمعت بین موهبۃ الكتابۃ و الابداع. ولعلّ ذلك ما كان یخفّف عن الجدۃ “صابرۃ“ وجع الأحزان الذي مرّ بها. فكانت “علیاء“ كالتّریاق ضمّدت الجدّۃ به جروحها فاوقفت نزیف الماضي.و في الأثناء ارتكنت الجدّۃ الی الطاولۃ المستدیرۃ و طفقت تعدّ “المقروض التونسي“ فلطالما كانت هذه الحلوی الأحبّ الی قلب ابنتها “أمل“ و الآن هي الأحب الی أطفالها..أمل التي فارقت دیارها منذ خمس سنوات بسبب مرض عضال المّ بها. حینها فقدت علیاء قدرتها علی الكلام و صارت الجدّۃ صوت علیاء. امّا الأب فقد غاب بعد موت زوجته بأشهر. ومن یعرف الجدّۃ صابرۃ حقّ المعرفۃ لا یتجرّأ علی الحدیث عنه...
وطفقت الجدّۃ تعتني بأحفادها ترعاهم وتهبهم الحبّ و السّلام. فكانت طیلۃ الخمس سنوات الأمّ الحنون و الجدّۃ الطّيبۃ و الأب الغاٸب كسنبلۃ شامخۃ تعانق الریح فتزیدها ثباتا.
نعم هي الجدّۃ صابرۃ المعلّمۃ رمز التضحیۃ و الامومۃ أحبت ما بقي لها من ابنتها امل فصارا أملها في الحیاۃ.
أخذت الجدّۃُ تُشكِّلُ قِطَعَ المَقْروض و تستمع الی المذیاع بجانبها تردّد معه قصيدۃ “الصغير أولاد أحمد “ نحبُّ البلادَ...كما لا يحبُّ البلادَ أحدْ صباحًا مساءً وقبل الصّباح وبعد المساءِ ویوم الأحد.
و فجأۃ توقّفت القصیدۃ و ارْتفع صَوْت المُذيع مُعْلنا خبرا عاجلا. لقدْ تَمَّ اطلاقُ سراحِ مجموعۃ من السجناء بمناسبۃ ذكری 14 ینایر .
انهلّت عینيْ الجدّۃ و نظرت الی علیاء و اخیها عمر. ثمّ تطلّعت الی الرواقِ فاذا به واقف حذو الباب يحمل حقيبة لم تغيره السنوات كثیرا...
أبصرته علیاء ظلّت ثابتۃ تنظر الی الصورۃ المعلّقۃ علی الحاٸط والی الرّجلِ امامها ثمّ نبستْ :
- آآ...أبي
عندٸذ همس عمر :
- لقد عاد !! ... عاد الیها صوتها..