كنت أول الواصلين لمرفأ العبارات تلفت حولي بِحُمق وجُلت بعينيّ بفتور، كان المرفأ مقفراً والمياه ساكنة، تنهدت بضيق وجلست على الرصيف بلا حيلة متوسلاً وصول طاقم الرحلة قبل أن يصرعني البرد، وثوانٍ حتى تسابقت عطساتِ، وأخذ البرد ينخر عمودي الفقري.
بدا الضباب كالقطن طافياً فوق رأسي ومربكاً لعينيّ، لم تكن ملابسي البائسة الرقيقة لتسعفني في هذا اليوم، بعد مرور ساعة ونصف، وصل طاقم الرحلة، وكم ترك تصرفهم انطباعاً سيئاً لدي أو شيء من هذا القبيل، ما إن وصل الطاقم حتى وقفت وفي نفسي غصة، ووددت لو ألقيت بقبطان السفينة ومن معه من حمقى في البحر ليذوقوا مُر الانتظار في هذا الطقس، ركبت السفينة محملاً بحقائب فوق ظهري وبين يديّ، كنزت فيها ملابسي وكاميرا التصوير وملحقاتها، فأنا وكما هو واضح المصور الخاص بهذه الرحلة الاستكشافية التي ستنطلق لإحدى الجزر النائية، والتي يقطنها بعض من السكان المحليين، هكذا قيل لي، لم أكن لألتحق بهذه الرحلة ولا بهذا البرنامج التلفزيوني البائس، ولا بهذا الفريق التعيس لم يكن أي شيء في العالم سيدفعني للقدوم معهم لولا المال الذي سأتقاضاه نضير جهودي، المال كان دائماً الحلقة الفاصلة بيني وبين كل شيء، كل شيء كان في سبيله فما الذي سيشغل رب أسرة غير إعالة عائلته.
الشيء الوحيد أو الشخص الوحيد تحديداً الذي أرتاح له وأتقبله في هذا الطاقم دون الباقين هو “عبد اللطيف“ اسم على مسمى وهو بطبعه لطيف، رجل متوسط الطول لديه بطن صغير بارز، وأقرع الرأس يبتسم طوال الوقت رغم كل الظروف، لا يمكن وصفه إلا أنه رجل فريد من نوعه، هو مختص في ضبط وإضافة الصوت لمقاطع الفيديو التي نصورها، كنت أتحدث مع عبد اللطيف عن مواضيع عشوائية كالعادة حتى شعرت بنقر أحدهم على مرفقي باستماته، التفت بحواجب مقتضبة وفم مائل، وكما توقعت سالم مقدم البرنامج الذي يتأبط ذراع مخرج العمل، كعادته ملتصق به يعرف كيف يشتري رضى الآخرين عكسي طبعاً.
سالم بخبث: أعتذر منك انشغلت بالأمس ولم أُبلغك عن تَغَير وقت التجمع في المرفأ.
حدجته بحَنق: لا بأس تحصل، وصلت قبلكم بدقائق لا أكثر.
افْتَرَّ عن أسنانه ضاحكاً ..
لم يقل أي شيء بعدها فقد تحدث المخرج عن كثير من اللقطات التي يتمنى رؤيتها، ولم يكترث هذا الآخر للحوار الذي دار أمامه لا يهمه سوى سير العمل.
دقائق فصلتنا عن فتح شراع السفينة وتحركها بهدوء في البحر.
تنقسم السفينة لطاقمين، طاقم البرنامج التلفزيوني المكون من عشرة أشخاص وأنا من ضمنهم، وطاقم السفينة الذي يضم القبطان وبحارته، بدت السفينة مكتظةً بشكل خانق، اثني عشر بحار عدد هائل دون داعٍ، بالنسبة لي بدا البحارة كالوحوش ضخام، ملامح قاسية، لكّنة غريبة، تصرفات همجية، كانوا أشبه بالكلاب المخبولة، مشروبات تتطاير في السماء وتستقر على أحذيتنا، غناء ورقص متواصل لا يردعه أي شيء، مازالت أغانيهم تطن في أذني رغم أني أصبت بدوار أجبرني على إفراغ كل ما في جوفي في البحر، بقيت منتصباً في زاوية السفينة واهناً مصاباً بمغص في معدتي وألم حاد في كليتيّ.
لم يكن الليل أفضل من النهار تشاركت غرفة صغيرة مع مجموعة من الأشخاص، ولكم أن تتخيلوا كيف لغرفة كالصندوق أن تتسع لثمانية أشخاص، عُدم الهواء من الغرفة وطغى صوت الشخير والصفير على هدوء الليل، كانت الأسِرة بِسُلم وأنا كنت في الأعلى لخفة وزني كما زعموا، يشاركني السرير الضيق رجل قصير القامة، تفوح منه رائحة السجائر العطنة، بات طوال الليل يطعنني بمرفقه في معدتي ويرمي بكفيه على وجهي.
ما إن حل الصبح وصاح القبطان “مَقرون“ دلالةً ليستفيق الجميع حتى أزاح الرجل ذي رائحة السجائر مرفقه عن بطني، وقد كاد أن يسحق ما تبقى من أحشائي، في الليلة التي تلتها انتحبت لعبد اللطيف عن حالي فما كان منه سوى أن ينفجر ضاحكاً عليّ ياله من عديم الإحساس، في هذه الليلة تشاركت السرير الأرضي مع عبد اللطيف ظلمته لم يكن عديماً للإحساس، لقد كانت ليلةً هادئة، رقدت تقريباً على نصف بطن عبد اللطيف أزاحمه بمكانه، لكنه لم يشتكِ مني، إنه حقاً فريد من نوعه.
استمرت الرحلة أيام ولم يبدُ لي أني سأرى اليابسة مرة أخرى عاد لي الدوار وصاحبتني نوبة قيء كادت أن ترديني قتيلاً، لم يترك زملائي في الغرفة شيئاً إلا وسقوني إياه حتى البحار الذي يعمل في المطبخ آلمه حالي وصار يعد لي منقوعاً بالأعشاب، في هذه الليلة لم يزرني النعاس، وهذا أمر بديهي فقد كنت طريح الفراش طوال النهار، تسحبت للسلالم المؤدية لسطح السفينة أجر قدمي برفق لكن صريرالأرضية الخشبية كان مزعجاً، توقفت عن السير لكن صوت الصرير استمر ثم علا صوت الموج، أفزعني خِلت أن دوار البحر سيفتك بي، ما إن رأيت هيجان البحر حتى عدت أدراجي واستلقيت على السرير وقد أصابني خدر مفاجئ.
في الصباح كانت الفوضى تعم سطح السفينة، فهمت أن أحد أفراد طاقم البرنامج التلفزيوني مفقود من السفينة كان ذلك الرجل قصير القامة ذي رائحة السجائر، ولسوء حظي وشَى أحد زملائي في الغرفة بأمر خروجي من الغرفة ليلاً، فتفصدت عرقاً وأصابتني رعشة أفقدتني المقدرة على الوقوف، كنت فعلياً أصغر فرد على السفينة ولهذا السبب كنت منبوذاً من قبل طاقم عملي، فأنا خريج حديث من الكُلية وكان من حسن حظي أن يتم ضمي للعمل في هذا البرنامج فور بدئي بالوظيفة، لم أكن شخصاً لائقاً بهم ولن أكون.
حدجني المخرج بنظرة قاسية بينما حاوط بي بقية الأشخاص، كنت أسمع صرير السفينة وصفير أذني، وأزيز القدر من الطبخ،
سألني القبطان عن صحة خروجي ليلاً فأجبت كمن بوغت بنعم.
ثم أجبت على الكثير من الأسئلة التي لا أعلم بماذا أجبت عليها، كنت أجيب وأنا ألمظ شفتيَّ بين الحين والآخر، أحسست بالأرض تَميد نحوي، خارت قواي وأخيراً تم إسقاط التهم عني لعدم وجود أدلة، لكن نظرة الضغينة نحوي لم تخفَ علي، عُدت للغرفة بعدها وتكورت حول نفسي، منذ تلك الحادثة كنت أُلقي بنظرات الحقد والبغض للرجل الذي وشَى على خروجي للسطح، تباً له..
بقية الأيام انزويت في الغرفة ولم أخرج إلا لتناول وجبات الطعام، فقد بدا الهواء كليلاً كئيباً على سطح السفينة، في هذه الليلة استمر صرير الأرضية الخشبية بإزعاجي، وقع أرجل جيئةً وذهاباً، أنفاس ثقيلة تنخر خلف الباب، أحدهم ينادي باسمي بِنَفس وحروف متقطعه.
ياسر
ياسر
انسللت من فراشي وتقدمت، أخذ صرير الأرضية الخشبية يتزايد كلما خطوت للأمام
الصوت بخفوت: لا تخرج، خُذ.
مدَّ لي أحدهم ورقة مكرمشة من تحت فتحة الباب.
قلت بريبة: من أنت؟ ما الأمر؟
لا رد لقد رحل وتركني حائر.
نظرت حولي متفقداً الباقين وتحديداً الواشي، كلهم نيام، كُتب فيها .. اهرب
ذُهلت ممَّ أهرب؟ ولمَ أنا؟
لم أجرؤ على فتح الباب فأطيطه سيوقظ ذلك الواشي، دلفت لفراشي بفتور، صبيحة اليوم التالي وصلت السفينة بعد رحلة دامت أسابيع للجزيرة المنشودة، بدت الجزيرة من بعيد كقطعة قرنبيط عملاقة عائمة، هي فعلياً غابة ضخمة ذات أشجار طويلة سميكة يحيط بها الرمل والبحر لا غير.
رمى البحارة مرساة السفينة عند شاطئ الجزيرة، سيستقر البحارة هنا حتى عودتنا بعد أسبوعين، ابتدأت رحلتنا الجديدة بالسير على الأقدام لعمق الغابة السحيقة برفقة المرشد السياحي الذي جاء معنا والذي بطريقة ما يقدر على التواصل معهم، جو الجزيرة بدا رطباً وخانقاً نوعاً ما، سرنا قرابة ثلاثة أيام حتى تمكنا من بلوغ منتصف الغابة حيث تسكن القبيلة.
قبيل دخولنا للمنطقة خرج رجال قبيلة “توكا“ لاستقبالنا وكم كانوا همجيين بشعر ملبد وجلد قذر حالهم أسوأ من البحارة، طريقتهم في استقبالنا أفزعت الجميع حاوطوا بنا من كل الاتجاهات وبدأت بعدها نوبات الصياح العشوائية صاحوا حتى كادت حناجرهم أن تُشق،عواء،نخير، سلسلة من الأصوات المُربكة، دخلنا خلفهم في قنوط ورهبة، صورت تقريباً كل شيء منذ أن دخلت، أكواخهم المتهالكة، زرائب الخنازير، رماحهم وأسهمهم، أطفالهم الهمجيين، الخرق البالية وأوراق الشجر التي يرتدونها كملابس، كل شيء كان كارثياً، لغة التواصل الرئيسية هي العواء لا غير.
تم تقسيمنا على كوخين كل أربعة أشخاص في كوخ، يفترش على أرضيته البسط لا غير، في المساء أعد لنا سكان القرية مأدبة، وأُجبر سالم على تناول الطبق الذي أعدوه طبعاً بما أنه مقدم البرنامج وجوهره، والشخص الذي اقترح زيارة هذه القرية، أكل طبقاً مزيجاً بين اللونين البني والأخضر شيء مقرف لا نعلم ما هو تحديداً، وصراحةً لم يساورني إحساس بالذنب على حاله، بالنسبة للباقين فقد نجا البعض من هذا الطبق وكنت أنا ضمن الذين نجو، طوال الليل ظلت معدتنا تقرقر وكم كان التلوي في الفراش جوعاً مريراً، غير لسعات البعوض التي ملأت وجوهنا وأجسادنا في اليوم الذي تلاه.
مع بزوغ الفجر بدأ الطاقم العمل، أُنهكنا تماماً، سيقام الآن مهرجان أو شيء من هذا القبيل، أخذت موقعي وبدأت بتصوير الاحتفال، أشعل أهل القرية النار والتفوا حولها مختالين راقصين بجنون، وعلت صيحاتهم وخبطاتهم على أجسادهم وعلى الأرض، وضع جنوني محموم في جو مثقل بالحر، اقترب مجموعة صبية من النار، وأخذوا بالصياح كانوا تقريباً في سن العاشرة، شيخ القبيلة وضع طرف الرمح الحاد الذي في يده على النار ثم لسع به أكتافهم العارية، عمَّ الصمت والفزع وتحديداً أقصد نحن طاقم البرنامج، يا لها من حبكة مربكة، بلعت ريقي، بعض الصبية دخلوا في نوبة بكاء مريرة، لكن الاحتفال انتهى بعد هذه الحادثة.
في منتصف الليل صحوت على تقصف أوراق الشجر، خطوات أحدهم وهي تعبر خارج الكوخ، علت الهمهمات وتزايدت الخطوات، عندها نهضنا ثلاثتنا وقد كان أحدنا ناقصاً، التفتنا على بعضنا بعيون غيبها النعاس والإعياء، عدنا للنوم ببساطة ربما خرج لنداء الطبيعة، صبيحة اليوم التالي كان بقية طاقم التصوير قد اختفوا من القرية، وتركونا نحن الثلاثة خلفهم أنا وعبداللطيف وسامر، بدا الوضع مريباً ومربكاً.
عبداللطيف وقد بدا الامتعاض على وجهه: ما الخطب أين ذهبوا حتى المرشد السياحي ماذا نفعل الآن؟
أجبت بقلب يرتعش: أنا وحدي لا أعرف
سامح ببرود: ضحوا بنا ببساطة
لم أفهم ما يعنيه لكنني فهمت لاحقاً ما قصده.
عنوةً حاوط بنا رجال القبيلة، قيدوا أيدينا وأرجلنا بنباتات كالحبال، جرونا خلفهم كما تجر الشاة للمنحر، الخوف قوظ أرواحنا لم نحاول المقاومة أو الصراخ، مشينا خلفهم حتى قرقعت عظامنا، علقونا على أغصان الشجر حتى بتنا متدلين من عليها بالمقلوب كل هذا حدث دون مقاومة، انتصف الليل ومازلنا على حالنا لم نفهم أي شيء مما حدث.
قلت بوهن: عبداللطيف .. سامر
لم يكن هناك أي رد، تفصل بيننا عدة أشجار أراهم لكن من المستحيل أن يسمعوني، هذه الليلة كانت أسوأ ليلة في حياتي، كانت أعين الحيوانات تلمع بين الأشجار، عواء من كل الاتجاهات، من الخوف والإعياء غططت في النوم رغماً عني، صحوت على سامح وهو يُجر بعيداً كان ميتاً هكذا ارتأيت، ملابسه غارقة بالدماء، رِجل مفقوده، لعل وحشاً برياً افترسه بالأمس، درت بعينيّ بين الشجر، عبد اللطيف حي مازلت أراه معلقاً زفرت وبكيت.
كان الوقت ليلاً والقمر بدراً، صبية يركضون بين الشجر بيدهم رماح، جثة سامح مازالت ملقاة على العشب، صبي يقف خلف جثة سامح وأمامه شيء لم أميز ما هو غير أنه مفترس، رمى الصبي الرمح لكن لا أدري ما حصل انقض عليه المفترس وتناثرت دماء الصبي وأُلقي صريعاً فوق جثة سامح، في تلك الليلة كان صبية القبيلة في وضع أسوأ من وضعي، أنفاس مقطوعة، أهداب مبللة، قلوب مفجوعة، أجساد منهكة دامية، نحن عُلقنا هنا لنتعفن فتجذب جثثنا الحيوانات المفترسة لهذه البقعة ليتمكن الصبية من قتل المفترس والعودة به مثبتين أهليتهم كأفراد لهذه القبيلة يا لهذا التقليد الوحشي، كنت أراقب برعب هذه المجزرة لكني لا أعلم كيف غفوت وما صحوت إلا على صبي أسفل الشجرة يتسلق نحوي.
الصبي لاهثاً: توكا توكا توكا
بلعت ريقي الجاف ولم أُبدِ أي ردة فعل، لست أقوى على فعل شيء وأعلم أنك من قبيلة توكا.
بدأ الصبي بالبكاء، تعلق بجسدي واحتضنني، شعرت برعشته، دقات قلبه، أنفاسه الضعيفة،
ياسر بوهن: يا صغير الحبل .. رجلي .. الحبل
مرت دقائق حتى بدأ الصغير بفك النباتات أو الحبال أياً كانت بالحَرْبة الصغيرة التي في يده.
ياسر بتساؤل: هل تفهم علي يا صغير؟
هز الصبي رأسه في كل الاتجاهات بفزع..
فَك قيود رجلي، لكن بقي الحبل الذي التف من مرفقيّ وصولاً إلى فخذيّ ثم عُقِدَ في غصن الشجرة، فُكت الحبال وسقطت على ظهري من مسافة لا بأس بها حاول الصغير جذبي نحوه، لكن كتلتي كانت أثقل من أن يقدر عليها، كل عظامي تؤلمني، أشرت له أن نبقى متعلقين على الأقل حتى الصباح، لكنه استمر بهز رأسه معارضاً لا أدري يا صبي لا أفهم ما تعنيه.
عرجت معه بضعف بين الشجر، أشرت للصغير على عبد اللطيف المعلق لكنه انتفض وهز رأسه نافياً، أمسك بيدي مانعاً إياي من الذهاب، حاوطت كتف الصغير بيدي فهدأت أنفاسه وحملق بي وكأنه فهم رجائي، أكملنا طريقنا لعبد اللطيف، تسلق الصغير له وفك قيده، سقط هوأيضاً من الشجرة وكم سعدت برؤيته حياً، بكينا معاً من الفرح، الحزن، اليأس، الخوف، الأمل.
أكملنا مسيرنا بين أشجار الغابة وصولاً إلى منحدر صخري، صياح رجال قرية توكا بدا قريباً منا، أخذ الصبي يحثنا على الإسراع بالنزول من المنحدر، تشبثنا وأخذنا ننزل للأسفل رويداً رويداً.. وثوانٍ حتى تجمهر رجال القبيلة في أعلى المنحدر، تمكنا من بلوغ نهايته، لكن الصبي علقت رجله اليمنى بين الصخور، وكم ذُهلت عندها من صرخات النصر التي بدرت منهم بينما أخذ الصبي بالبكاء، كنت محتاراً بين تركه أو الرجوع إليه أنا وحدي منهك ومتوجع حد الموت.
نزفت رجل الصبي كثيراً ولكنني على الأقل تمكنت من تحريرها، عند هبوطنا من المنحدر، سمعت حفيف الأحراش وثوانٍ حتى ظهر رجل من قبيلة توكا راكضاً نحو الصبي، تناولت حجراً وعزمت على رميه، لكن صُدمت به يحتضن الصبي أعتقد أنه والده شعرت بهذا، أكملنا سيرنا خلف الأب الذي حمل ابنه على ظهره، سرنا لثلاثة أيام بآلامنا وآمالنا حتى وصلنا للشاطئ، لسفينتنا، وجدت كل البحارة الإثني عشر كما تركناهم لكن دون طاقم البرنامج، احتضن البحارة الأب، وقد أدركت أخيراً لما بدا لي مألوفاً إنه الرجل ذي رائحة السجائر العطنة.
ياسر وعبد اللطيف سويةً: ألم تمت؟
الرجل ذي رائحة السجائر ضاحكاً: لا لم أمت قط، كنت معكم طوال الرحلة، نحن كنا من قبيلة توكا في يومٍ ما وهذا ابني،
سكتَ قليلاً ثم أكمل، أحسست بأني لا أنتمي لهذا المكان، انتابني شعور بأني في سفر دائم لا أجد في طريقي مرفأ لأرسو عليه.
ياسر بتلكؤ: ماذا عن طاقم البرنامج؟
نظر لعيني بصمت، أعتقد أنه قصد بأنهم اختفوا للأبد.
ومضة كاتب: “وطن المرء ليس مكان ولادته ولكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب.. عمر طاهر (كاتب مصري)..“